الجمعة، 17 يناير 2020

محدثي الكتابة فاقدي نعمة الابداع

من المؤسف جدا أن العالم كله يسير نحو تسطيح رهيب في العقلية والأفكار حتى أصبحت الأشياء لا قيمة لها ....في أمسية حوارية مع الشاعر "يوسف أبو لوز" ذكر ان كثير من المبدعين توقفوا عن الكتابة واختفوا عن الساحة الأدبية منذ سنوات وذكر عدد كبير من الأسماء بل انه اعترف انه لم يكتب شعرا منذ فترة طويلة باستثناء نصوص قصيرة وكتب أخرى وهذا في الحقيقة ليس غريبا
حيث ان هذا يلاحظه العديد من الكتاب والكاتبات في انفسهم او في زملائهم ويتوجب عليّ هنا ان اضع علامة عند هؤلاء الكتاب والكاتبات للقول انهم الأجيال التي سبقت جيل التسعينات وما بعدها ، الأجيال التي لم تنشأ مع "الفيس بوك" او "تويتر" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، الأجيال التي لم يتأتى لها النشر بسهولة ويسر ولم تأت للكتابة الا بعد معاناة وحلم بعيد المنال يحتاج سعي واجتهاد وقراءة ومثابرة، الكتابة التي تنبع من الروح وتخرج وكأنها قطعة منها... فذلك جيل تعب وحاول واجتهد نال حظة او لم ينل... برز اسمه او لم يبرز ... فذاك الجيل عانى من التهميش ومن الشللية ومن النقاد "المنافقين" ومن ناشرين "ينشرون حقوقهم بمنشار الجشع ... عانوا من كثير من الأمور لكن كانت الكتابة موهبة وعمل جاد وسواء كانت هذه الموهبة تستحق ان يطلق عليها ابداع او احتراف او مهنية ...الخ الا انها تتميز باجتهاد ما..
 
لكن لنعد الى عنوان هذه المقالة او "حفنة النور" ...الى "محدثي الكتابة" فهم يشبهون تماما محدثي النعمة والذين فجأة حصلوا على ثروات لسبب او اخر فلاهم اهلا للثروة ولا هي تليق بهم...المبدع الحقيقي اول ما يمتاز به من وجهة نظري هو "التواضع" والتأني في النشر والمثابرة وإصدار كتابات ذات قيمة حقيقية ....محدثي الكتابة بعكس ذلك تماما
 
اقتربت من احداهن في احدى الامسيات والتي لم ارها من قبل في الاتحاد فقالت بأنف مرفوع "لدي تسع إصدارات" وانا "عضوة بالاتحاد"... اسم لم اسمع به من قبل ووجه يبدوا في الثلاثينات ... ابتسمت في سري وتذكرت انطباعي حين وجدت  حلقة كبيرة جدا في منتصف معرض الكتاب تعرض الكتب كما لو كانت تعرض خضار او تماما كما يحلو لي التسمية "سوق سمك" حاولت يومها ان اطلع على العناوين او الأسماء... كلها أسماء تجارية ...روايات... أسماء لم اتعرف على أي منها....
 
وللحق انني قرأت بعضا منها عن طريق اهداء او صدفة لسبب او اخر...كلها حكايات لا تهتم سوى بالحدث الذي يشبه أفلام هذه الأيام لا بناء للشخصيات، لا عناية بالمكان ولا بالزمان، لا خلفية تاريخية والاسوأ  لغة سطحية او مفتعلة ....
 
إضافة الى إصدارات هي عبارة عن تجميع "بوستات" أي ملاحظات  او "تغريدات" على وسائل التواصل الاجتماعي تشبه كثيرا ما كنا نكتبه صغارا ونحن في  العاشرة او التاسعة من العمر في "بريد القراء" واحيانا اجد ما كان يكتب في ذلك الزمن ارقى وافضل بكثير...
 
من المؤسف ان هذا الغثاء سيخفي للأسف مواهب حقيقية ظلمها تواجدها في هذا الزمن الذي يتميز بالركاكة في مجمله... من المؤسف أن كثير من الأقلام الحقيقية صمتت ولعل صمتها يحتاج وقفة في مقالة أخرى فالاسباب عديدة ومنوعة وقد يكون كثير منها متعلق بهذا الزمن ...
 
من المؤسف أنني بت ادخل معرض الكتاب ولا اجد ما يلفت نظري الا فيما ندر ....وان كثير من الكتب لا تستحق ثمن الورق الذي نشرت به... وربما لهذا السبب عمدت بعض دور النشر - التي تحترم نفسها عوضا عن ان تسمح "لمحدثي الكتابة" ان يقللوا من قيمة عملها في النشر لسنوات -الى إعادة نشر الكتابات القديمة لهذا نرى طبعات جديدة لكتب قرآناها ونحن في مقتبل العمر مثل الدون الهادئ واحدب نوتردام ومائة عام من العزلة وغيرها الكثير من الكتابات المبدعة ....
 
هل تجنيت على احد ؟؟؟ لا اعتقد لكني متأكدة ان هذا الزمن ليس زمن القيم الحقيقية والكتابة الحقيقية وانه زمن اهتز به كل شيء وأصبحت الكتابة سوق رائجة تماما مثل سوق الخضار الا ان الخضار تفيد في بناء الجسم والعقل وسوق الكتابة الحالية لا تفيد بشيء سوى المزيد من التسطيح والسخافة ...

ليست هناك تعليقات: